The Runaway Chair/ الكرسي الهــــارب
Posted: Mon Mar 21, 2011 2:15 pm
الكرسيّ الهارب
ربّما أنت من رواد أسواق البضاعة القديمة. تذهب هناك عساك تجد ما يطفئ عطشك من كل ما هو نادر وثمين , أو تكتسي مما كان ثمنه بخسا أو تشتري أثاثا قديما لغلاء ما سطع بريقه. وحتى لا تخجل من اعترافك فأعلم أني أرتاد تلك الأسواق أكثر منك لأنني لم أجد في غيرها ما يناسب قيمة الجراية التي أتقاضاها.
فقد ذهبت مرّة إلى أحد أسواق البضاعة القديمة , ورغما أنني كنت أريد شراء بعض الملابس فقد جلب انتباهي كرسي ليس ككل الكراسي قد وقف بجانب صاحبه ضاحكا زاهيا حتى الانتشاء . ولم يكن هناك بدّ من الحكم على فضولي بالصمت فغلبني فمي وسأل الكرسي قائلا:
ما قصّتك يا هذا؟ أنت لست كرسيا ككل الكراسي
وهل أنت مثل كلّ الناس؟ فلو كنت لما تجرّأت وسألتني مثل هذا السؤال. وبما أني أرى فيك فضولا عنيدا سوف أطلعك على أغرب ما في سيرتي.
هيا هات فقد ألهبت فضولي والله
اسمع يا هذا إذن. بدأت أحيا جنينا في شجرة، أغصانا أنتجت ثمارا وكانت مواطئ أقدام العصافير وأعشاشها. وفي يوم من الأيام قطع قاطع أغصان الشجرة واقتلعها ثم قادها إلى معمل النجارة.فسلخها ثم جزأها.وكنت أنذاك نصف كائن والشكل لم يحدد بعد .وحتى لا أطيل عليك فلقد تفانى صانعي في حياكتي حتى وقفت على أرجلي فزخرفني ونمقني وسبغني وغلّفني ولمعني ومضى في ذلك وقتا طويلا سال الدم من أصابعه وتلطخت بالأدهان ملابسه .ولما إكتملت خلقتي أخذوني إلى قصر المسؤول .أدخلوني قاعة فوجدت لي هناك إخوة قد سبقوني إلى القصر. ما ألذ اللقيا بدون موعد .وضعوني بجانب طاولة عرفت أنها من بني جنسي .وما لبثت أن أتى المسؤول يدفع نفسه دفعا .لم يسلّم ولم يبسمل بل جذبني بقوة ثم جلس علي بكل ثقله. آه ما أثقله وكنت أئن أنينا صادته جدران الغرفة ولم يسمعه المسؤول الذي بدا أخرسا .ومضى وقت وهو جالس ثم نهض فتنفست الصعداء لهنيهة واحدة .و بينما أنا كذلك هاج جرس الهاتف الذي اهتز على ابنة العم .فأسرع المسؤول وجلس بقوة علي كادت تفلت مني أرجلي .وتجدد موعدي مع الأنين والرّزح.
مضى اليوم الأول ولم يراع المسؤول طراوة عودي وجاء اليوم الموالي والأيام التي تلته وهي كثيرة وكنت أنا شاهدا صامتا عمّا كان يفعله المسؤول .فمرة جاء مساعد المسؤول بأوراق عرفت بعدها أنها اتفاقيات بيع وطلب منه إمضاءها.فأمضاها مسرعا وقيل له أن كل شيء على ما يرام فالمساعد يعرف رقم الحساب البنكي وغير ذلك من مستلزمات عالم البيع والشراء.ومرة ,وكنت قد تعلمت حينها أساليب التعامل داخل القصر حتى أنني صرت أعرف ما ستراه عيناي قبل وقوعه، جلس المسؤول وقد اصطحب معه رجلا ليس من بني جلدته وتحادثا طويلا وكنت أستمع إلى تفاصيل المحادثة في صمت .وكدت أقفز من مكاني عندما أمضى المسؤول وثيقة البيع التّام والسّماح بالاستغلال الفعلي والتمكّن منه بدون انتظار .أذكر هذه الواقعة لأنها كانت الأولى في تاريخ حياتي المترفة .وقد لا تستغرب أن مثل هذه الصفقات عقدت مرات عديدة وكنت الشاهدة المتألمة الصامت أرزح تحت ثقل المسؤول وسطوه وكم تمنيت أن أنقلب عليه وأتشفّى منه، لكن قوانين الطبيعة حالت دون أمنيتي .مضت السنون تلو السنين ونفس المسؤول يجلس عليّ صباح مساء ولمّا يضجر .في واقع الأمر تغيرت بنية المسؤول فقد كبرت ردفتاه من كثرة الجلوس وانتفخت بطنه حتى ذاق قميصه منها وطار شعر رأسه وابيضت بقايا لحيته وترهلت عضلات يده .ولا تعتقد أن الكبر لم يصبني أنا أيضا فقد أخذت نصيبي منه نتيجة الرّزح تحت وطأة المسؤول. ولعلك تعتقد أن مثلي لن يصيب إلا سعادة. ولكن هيهات كم تمنيت أمطارا وعواصف وثلوجا وبردا وأنا شجرة حرة طليقة أرنو الى السماء .
ولما بلغ الحزن مني مبلغا جمعت قواي وانتظرت بعد المسؤول عنّي وغفلة حاشيته وقفزت إلى خارج القصر. ما أسعد حظي فأرجلي مازالت تقدر على القفز والجري فلم يلحق بي المسؤول ولا كلاب القصر .وتهت بين الشوارع والأنهج حتى انتهيت إلى هذا البائع عله يعتقني فهلاّّ اشتريتني ؟
ما أغرب قصتك والله إنك لكرسي عجيب. نعم أشتريك وخذ يا أيها البائع ما تريد.هيا معي .أدخلك منزلي ولن أجلس عليك وكلما ضجرت روّحت عنك، أنت فعلا الوثيقة الشاهدة على كل ما حيك، ولو فهمك الناس لما وجدوا في غيرك حقائق كمثل حقائقك...
انتهى الكرسي إلى منزلي. وقد علمت أن المسؤول قد أفنى كرسيا آخر وهو بصدد إفناء الثالث ولمّا يأنس الرحيل من القصر بعد...
محرز عون الله
الأحد 27_12_1992 التاسعة ليلا
ربّما أنت من رواد أسواق البضاعة القديمة. تذهب هناك عساك تجد ما يطفئ عطشك من كل ما هو نادر وثمين , أو تكتسي مما كان ثمنه بخسا أو تشتري أثاثا قديما لغلاء ما سطع بريقه. وحتى لا تخجل من اعترافك فأعلم أني أرتاد تلك الأسواق أكثر منك لأنني لم أجد في غيرها ما يناسب قيمة الجراية التي أتقاضاها.
فقد ذهبت مرّة إلى أحد أسواق البضاعة القديمة , ورغما أنني كنت أريد شراء بعض الملابس فقد جلب انتباهي كرسي ليس ككل الكراسي قد وقف بجانب صاحبه ضاحكا زاهيا حتى الانتشاء . ولم يكن هناك بدّ من الحكم على فضولي بالصمت فغلبني فمي وسأل الكرسي قائلا:
ما قصّتك يا هذا؟ أنت لست كرسيا ككل الكراسي
وهل أنت مثل كلّ الناس؟ فلو كنت لما تجرّأت وسألتني مثل هذا السؤال. وبما أني أرى فيك فضولا عنيدا سوف أطلعك على أغرب ما في سيرتي.
هيا هات فقد ألهبت فضولي والله
اسمع يا هذا إذن. بدأت أحيا جنينا في شجرة، أغصانا أنتجت ثمارا وكانت مواطئ أقدام العصافير وأعشاشها. وفي يوم من الأيام قطع قاطع أغصان الشجرة واقتلعها ثم قادها إلى معمل النجارة.فسلخها ثم جزأها.وكنت أنذاك نصف كائن والشكل لم يحدد بعد .وحتى لا أطيل عليك فلقد تفانى صانعي في حياكتي حتى وقفت على أرجلي فزخرفني ونمقني وسبغني وغلّفني ولمعني ومضى في ذلك وقتا طويلا سال الدم من أصابعه وتلطخت بالأدهان ملابسه .ولما إكتملت خلقتي أخذوني إلى قصر المسؤول .أدخلوني قاعة فوجدت لي هناك إخوة قد سبقوني إلى القصر. ما ألذ اللقيا بدون موعد .وضعوني بجانب طاولة عرفت أنها من بني جنسي .وما لبثت أن أتى المسؤول يدفع نفسه دفعا .لم يسلّم ولم يبسمل بل جذبني بقوة ثم جلس علي بكل ثقله. آه ما أثقله وكنت أئن أنينا صادته جدران الغرفة ولم يسمعه المسؤول الذي بدا أخرسا .ومضى وقت وهو جالس ثم نهض فتنفست الصعداء لهنيهة واحدة .و بينما أنا كذلك هاج جرس الهاتف الذي اهتز على ابنة العم .فأسرع المسؤول وجلس بقوة علي كادت تفلت مني أرجلي .وتجدد موعدي مع الأنين والرّزح.
مضى اليوم الأول ولم يراع المسؤول طراوة عودي وجاء اليوم الموالي والأيام التي تلته وهي كثيرة وكنت أنا شاهدا صامتا عمّا كان يفعله المسؤول .فمرة جاء مساعد المسؤول بأوراق عرفت بعدها أنها اتفاقيات بيع وطلب منه إمضاءها.فأمضاها مسرعا وقيل له أن كل شيء على ما يرام فالمساعد يعرف رقم الحساب البنكي وغير ذلك من مستلزمات عالم البيع والشراء.ومرة ,وكنت قد تعلمت حينها أساليب التعامل داخل القصر حتى أنني صرت أعرف ما ستراه عيناي قبل وقوعه، جلس المسؤول وقد اصطحب معه رجلا ليس من بني جلدته وتحادثا طويلا وكنت أستمع إلى تفاصيل المحادثة في صمت .وكدت أقفز من مكاني عندما أمضى المسؤول وثيقة البيع التّام والسّماح بالاستغلال الفعلي والتمكّن منه بدون انتظار .أذكر هذه الواقعة لأنها كانت الأولى في تاريخ حياتي المترفة .وقد لا تستغرب أن مثل هذه الصفقات عقدت مرات عديدة وكنت الشاهدة المتألمة الصامت أرزح تحت ثقل المسؤول وسطوه وكم تمنيت أن أنقلب عليه وأتشفّى منه، لكن قوانين الطبيعة حالت دون أمنيتي .مضت السنون تلو السنين ونفس المسؤول يجلس عليّ صباح مساء ولمّا يضجر .في واقع الأمر تغيرت بنية المسؤول فقد كبرت ردفتاه من كثرة الجلوس وانتفخت بطنه حتى ذاق قميصه منها وطار شعر رأسه وابيضت بقايا لحيته وترهلت عضلات يده .ولا تعتقد أن الكبر لم يصبني أنا أيضا فقد أخذت نصيبي منه نتيجة الرّزح تحت وطأة المسؤول. ولعلك تعتقد أن مثلي لن يصيب إلا سعادة. ولكن هيهات كم تمنيت أمطارا وعواصف وثلوجا وبردا وأنا شجرة حرة طليقة أرنو الى السماء .
ولما بلغ الحزن مني مبلغا جمعت قواي وانتظرت بعد المسؤول عنّي وغفلة حاشيته وقفزت إلى خارج القصر. ما أسعد حظي فأرجلي مازالت تقدر على القفز والجري فلم يلحق بي المسؤول ولا كلاب القصر .وتهت بين الشوارع والأنهج حتى انتهيت إلى هذا البائع عله يعتقني فهلاّّ اشتريتني ؟
ما أغرب قصتك والله إنك لكرسي عجيب. نعم أشتريك وخذ يا أيها البائع ما تريد.هيا معي .أدخلك منزلي ولن أجلس عليك وكلما ضجرت روّحت عنك، أنت فعلا الوثيقة الشاهدة على كل ما حيك، ولو فهمك الناس لما وجدوا في غيرك حقائق كمثل حقائقك...
انتهى الكرسي إلى منزلي. وقد علمت أن المسؤول قد أفنى كرسيا آخر وهو بصدد إفناء الثالث ولمّا يأنس الرحيل من القصر بعد...
محرز عون الله
الأحد 27_12_1992 التاسعة ليلا